فصل: تفسير الآيات (42- 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (41):

{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}
{رَبَّنَا اغفر لِى وَلِوَالِدَىَّ} وقرئ: {ولأبويّ}، وقد تقدم عذر استغفاره لهما. وقيل أراد بهما آدم وحواء. {وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب} يثبت مستعار من القيام على الرجل كقولهم: قامت الحرب على ساق، أو يقوم إليه أهله فحذف المضاف أو أسند إليه قيامهم مجازاً.

.تفسير الآيات (42- 47):

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)}
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون} خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد به تثبيته على ما هو عليه من أنه تعالى مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية، والوعيد بأنه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة، أو لكل من توهم غفلته جهلاً بصفاته واغتراراً بإمهاله. وقيل إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم. {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ} يؤخر عذابهم وعن أبي عمرو بالنون. {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} أي تشخص فيه أبصارهم فلا تقر في أماكنها من هول ما ترى.
{مُهْطِعِينَ} أي مسرعين إلى الداعي، أو مقبلين بأبصارهم لا يطرفون هيبة وخوفاً، وأصل الكلمة هو الإِقبال على الشيء. {مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ} رافعيها. {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف، أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم. {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة، ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير:
من الظلمان جؤجؤه هواء

وقيل خالية عن الخير خاوية عن الحق. {وَأَنذِرِ الناس} يا محمد. {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب} يعني يوم القيامة، أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم، وهو مفعول ثان ل {أُنذر}. {فَيَقُولُ الذين ظَلَمُواْ} بالشرك والتكذيب. {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أخر العذاب عنا أو ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى حد من الزمان قريب، أو أخر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونجيب دعوتك. {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل} جواب للأمر ونظيره {لَوْلا أَخَّرْتَنِى إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصالحين} {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّنْ زَوَالٍ} على إرادة القول و{مَا لَكُمْ} جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية، والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت، ولعلهم أقسموا بطراً وغروراً أو دل عليه حالهم حيث بنوا شديداً وأملوا بعيداً. وقيل أقسموا أنهم لا ينتقلون إلى دار أخرى وأنهم إذا ماتوا لا يزالون على تلك الحالة إلى حالة أخرى كقوله: {وَأَقْسَمُواْ بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} {وَسَكَنتُمْ في مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالكفر والمعاصي كعاد وثمود، وأصل سكن أن يعدى بفي كقرَّ وغني وأقام، وقد يستعمل بمعنى التبوّء فيجري مجراه كقولك سكنت الدار. {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم. {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال} من أحوالهم أي بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب، أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة.
{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} المستفرغ فيه جهدهم إبطال الحق وتقرير الباطل.
{وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه، أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وإبطالاً له. {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ} في العظم والشدة. {لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} مسوى لإزالة الجبال. وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ} على أن الجبال مثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه. وقيل مخففة من الثقيلة والمعنى أنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال الراسية ثباتاً وتمكناً من آيات الله تعالى وشرائعه. وقرأ الكسائي {لَتَزُولَ} بالفتح والرفع على أنها المخففة واللام هي الفاصلة، ومعناه تعظيم مكرهم. وقرئ بالفتح والنصب على لغة من يفتح لام كي وقرئ و{إن كاد مكرهم}.
{فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} مثل قوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذاناً بأنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} وإذا لم يخلف وعده أحداً فكيف يخلف رسله. {إِنَّ الله عَزِيزٌ} غالب لا يماكر قادر لا يدافع. {ذُو انتقام} لأوليائه من أعدائه.

.تفسير الآية رقم (48):

{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} بدل من {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ} أو ظرف للانتقام، أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده. ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده. {وَالسَّمَواتِ} عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات، والتبديل يكون في الذات كقولك: بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله: {بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا} وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وغيرت شكلها، وعليه قوله: {يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات} والآية تحتملهما، فعن علي رضي الله تعالى عنه: تبدل أرضاً من فضة وسموات من ذهب، وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما: يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها. ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي» {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} اعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضاً وسماء على الحقيقة، ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسموات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلّيّينَ} وقوله: {إِنَّ كتاب الفجار لَفِى سِجّينٍ} {وَبَرَزُواْ} من أجداثهم {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} لمحاسبته ومجازاته، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله: {لمنِ الملك اليوم للهِ الواحد القهار} فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}
{وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ} قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال كقوله: {وَإِذَا النفوس زُوّجَتْ} أو قرنوا مع الشياطين أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة، أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال، وهو يحتمل أن يكون تمثيلاً لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم. {فِى الأصفاد} متعلق ب {مُقْرِنِينَ} أو حال من ضميره، والصفد القيد. وقيل الغل قال سلامة بن جندل:
وَزَيْدُ الخَيْل قَدْ لاَقَى صِفَاداً ** يَعضُّ بِسَاعِدٍ وَبِعَظْمٍ سَاقَ

وأصله الشد.

.تفسير الآيات (50- 52):

{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
{سَرَابِيلُهُم} قمصانهم. {مِّن قَطِرَانٍ} وجاء قطران لغتين فيه، وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإِبل الجربى فيحرق الجرب بحدته، وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص، ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، ويحتمل أن يكون تمثيلاً لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعاً من الغموم والآلام، وعن يعقوب {قطرآن} والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره، والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في {مُقْرِنِينَ}. {وتغشى وُجُوهَهُمُ النار} وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله، كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} وقوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِم} {لِيَجْزِىَ الله كُلَّ نَفْسٍ} أي يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة. {مَّا كَسَبَتْ} أو كل نفس من مجرمة أو مطيعة لأنه إذا بين أن المجرمين يعاقبون لإجرامهم علم أن المطيعين يثابون لطاعتهم، ويتعين ذلك أن علق اللام ب {بَرَزُواْ}. {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} لأنه لا يشغله حساب عن حساب.
{هذا} إشارة إلى القرآن أو السورة أو ما فيه العظة والتذكير أو ما وصفه من قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله} {بلاغ لّلنَّاسِ} كفاية لهم في الموعظة. {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} عطف على محذوف أي لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ، فتكون اللام متعلقة بالبلاغ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف تقديره: ولينذروا به أنزل أو تلي. وقرئ بفتح الياء من نذر به إذا علمه واستعدله.
{وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه أو المبهة على ما يدل عليه {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} فيرتدعوا عما يرديهم ويتدرعوا بما يحظيهم، واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر لهذا البلاغ ثلاث فوائد هي الغاية والحكمة في إنزال الكتب، تكميل الرسل للناس، واستكمال القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد، واستصلاح القوة العملية الذي هو التدرع بلباس التقوى، جعلنا الله تعالى من الفائزين بهما. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة إبراهيم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وعدد من لم يعبدها».

.سورة الحجر:

مكية وهي تسع وتسعون آية.

.تفسير الآية رقم (1):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1)}
{الرَ تِلْكَ ءايات الكتاب وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ} الإِشارة إلى آيات السورة و{الكتاب} هو السورة، وكذا القرآن وتنكيره للتفخيم أي آيات الجامع لكونه كتاباً كاملاً وقُرآناً يبين الرشد من الغي بياناً غريباً.

.تفسير الآية رقم (2):

{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)}
{رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر أو حلول الموت أو يوم القيامة. وقرأ نافع وعاصم {ربما} بالتخفيف، وقرئ: {ربما} بالفتح والتخفيف وفيه ثمان لغات ضم الراء وفتحها مع التشديد والتخفيف وبتاء التأنيث ودونها، وما كافة تكفه عن الجر فيجوز دخوله على الفعل وحقه أن يدخل الماضي لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى كالماضي في تحققه أجرى مجراه. وقيل: ما نكرة موصوفة كقوله:
رُبَّمَا تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْ ** ر لَهُ فُرْجَةً كَحلِّ العِقَالِ

ومعنى التقليل فيه بالإِيذان بأنهم لو كانوا يودون الإِسلام مرة فبالحري أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودونه كل ساعة. وقيل تدهشهم أهوال القيامة فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنوا ذلك، والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك: حلف بالله ليفعلن.

.تفسير الآية رقم (3):

{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)}
{ذَرْهُمْ} دعهم. {يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} بدنياهم. {وَيُلْهِهِمُ الأمل} ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه، والغرض إقناط الرسول صلى الله عليه وسلم من ارعوائهم وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان، وإن نصحهم بعد اشتغال بما لا طائل تحته، وفيه إلزام للحجة وتحذير عن ايثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)}
{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ، والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية، والأصل أن لا تدخلها الواو كقوله: {إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} ولكن لما شابهت صورتها الحال أدخلت تأكيداً للصوقها بالموصوف.

.تفسير الآيات (5- 10):

{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)}
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ} أي وما يستأخرون عنه، وتذكير ضمير {أُمَّةٍ} فيه للحمل على المعنى.
{وَقَالُواْ يا أَيُّهَا الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} نادوا به النبي صلى الله عليه وسلم على التهكم، ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم. {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ونظير ذلك قول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله تعالى نزل عليك الذكر، أي القرآن.
{لَّوْ مَا تَأْتِينَا} ركب {لَوْ} مع {مَا} كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض. {بالملئكة} ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى: {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل. {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعواك.
{مَا يُنَزِّلُ الملائكة} بالياء ونصب {الملائكة} على أن الضمير لله تعالى. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبناء للمفعول ورفع {الملائكة}. وقرئ: {تنَزل} بمعنى تتنزل. {إِلاَّ بالحق} إلا تنزيلاً ملتبساً بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته، ولا حكمة في أن تأتيكم بصور تشاهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبساً، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإن منكم ومن ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإِيمان. وقيل الحق الوحي أو العذاب. {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} {إِذَاً} جواب لهم وجزاء لشرط مقدر أي ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين.
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} رد لإِنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وقرره بقوله: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزاً مبايناً لكلام البشر، بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان، أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأنه المنزل له. وقيل الضمير في {لَهُ} للنبي صلى الله عليه وسلم.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ في شِيَعِ الأولين} في فرقهم، جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه، وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار، والمعنى نبأنا رجالاً فيهم وجعلناهم رسلاً فيما بينهم.